أسواق العقار البولندية، تستعيد استقرارها وتحافظ على قوتها أفضل من أي أسواق أخرى في أوروبا الشرقية

subway

المشرف العام
27 يونيو 2012
467
0
0
أسواق العقار البولندية، تستعيد استقرارها وتحافظ على قوتها أفضل من أي أسواق أخرى في أوروبا الشرقية بعد الركود، وتوقعات بنمو اقتصادي وعقاري يتواصل إلى السنوات القليلة المقبلة. هذا ما أكدته مؤسسات عقارية ومالية بولندية ودولية كثيرة هذا الأسبوع. وكانت بولندا خلال العقد الماضي، تتطلع لأن تصبح إحدى أهم العواصم الأوروبية التاريخية على الصعيدين العمراني والسياحي والخدماتي والمالي، وأن تنفض غبار الفترة الشيوعية عنها إلى الأبد مع دخولها الاتحاد الأوروبي. وقد حمل هذا الدخول الهام معه وعودا كثيرة بالمستقبل، وفعلا خطت بولندا خطوات هامة لتحسين أسواقها المالية والعقارية والسياحية وخدماتها وتحرير نشاطاتها للتنافس مع الدول الأوروبية وغيرها على قدم المساواة. وقد بدأت مشاريع ضخمة وهامة لتحسين البنى التحتية واستقطبت خيرة المعماريين مثل زها حديد والمعماري البولندي الأصل والمعروف دانييل ليبرزكيند وغيرهما لإعادة تحديث وسط العاصمة وارسو التاريخي وتطويره بما يتناسب وحاجات العصر إلى جانب المدن الكبرى الأخرى في إطار مشروع كبير وطموح.

بأية حال كانت بولندا تخطو خطوات واثقة قبل أزمة الائتمان الدولية وما تبعها من ركود اقتصادي عالمي كبقية دول أوروبا الشرقية سابقا، وربما أفضل من غيرها وخصوصا على الصعيد العقاري، لكن الأزمة والركود ساهما في وقف الكثير من المشاريع، وتعرضت الأسواق إلى هزة كبقية دول العالم وتأثرت الأسعار وتراجعت المعدلات. إلا أن الأرقام الأخيرة التي نشرتها مؤسسة التقرير الأخير الذي نشرته «موني بي إل» (money.p.l) التي عادة ما تؤمن الأرقام الخاصة بعقارات المدن الكبرى وبولندا بشكل عام وبعض المؤسسات الدولية المالية والعقارية الهامة مثل «مامدوم»، أن بولندا خرجت من العاصفة المالية الدولية، عقاريا أفضل مما كان متوقعا وأنها خرجت منها دون ضرر ولم تتعرض أسواقها فعلا لتراجعات حادة أو انهيارات لا تحمد عقباها كما حصل في كثير من دول البلطيق ودول أوروبا الشرقية والوسطى، ولم تعان كما تعاني حاليا رومانيا وبلغاريا اللتان كانتا من أكثر الأسواق الأوروبية الشرقية نشاطا وتحركا خلال السنوات السبع الماضية مع نهاية طفرة الائتمان أو الطفرات العقارية التي رافقتها في كثير من البلدان. ويعود هذا الثبات العقاري والصمود أمام العاصفة الهوجاء كما يبدو إلى سببين؛ الأول: يتعلق بقانون تمليك الأجانب الذي لا يسمح لأجنبي بتملك أكثر من عقار واحد بعد الانفتاح الاقتصادي نهاية الثمانينات، أو منزل واحد أو شقة واحدة، ومن شأن أي متلاعب بالقوانين وهذا يحصل في كثير من المدن الكبرى، خسارة عقاره وإلغائه. وقد ساهم هذا أيضا في ضبط الأسواق خلال الطفرات أو فترات النمو القوية والممتازة. والسبب الثاني كما يبدو هو الاقتصاد البولندي القوي الذي يتوقع له أن يستعيد أنفاسه ويشهدا نموا بنسب قليلة بعد الانكماش الذي شهده خلال الركود خاصة العام الماضي.

ولهذا السبب أيضا لم ترتفع الأسعار بشكل جنوني كما حصل في بريطانيا وإسبانيا وأيرلندا وكثير من دول أوروبا والعالم، بسبب حق الأجانب في تملك ما لذ وطاب لهم من العقارات، وخلال فترات قصيرة لدرجة أن المواطن العادي لم يعد يتمكن من شراء العقار للسكن وأصبحت معدلات الأسعار أربع أو خمس أو ست مرات الدخل السنوي للفرد. وهذا لم يحصل في بولندا، وبقيت الأسواق أكثر هدوءا ولصالح المواطن لا المستثمر الأجنبي الباحث عن كثير من العقارات الرخيصة لتحصيل أكبر قدر من الأرباح في أقصر وقت. ومن شأن هذا بالطبع مساعدة الأسواق على الاستقرار والنمو الطبيعي، بدل التمتع بأسعار وهمية قادرة على قتل الإمكانات البولندية المحلية.

أضف إلى ذلك أن الاقتصاد البولندي الذي يتوقع أن يستعيد عافيته هذا العام ويواصل نموه العام المقبل، لم يعتمد في نموه على القطاعات العقارية وقطاع البناء كقوة دفع رئيسية كما كان الحال في كثير من البلدان أيضا وخصوصا لاتفيا وأيرلندا، إذ إنه متعدد وتراجع الأسواق العقارية في بولندا لا يشبه تماما تراجع الأسواق في بريطانيا على سبيل المثال، إذ إن بريطانيا قبل أيرلندا، غير الأسواق المالية في لندن وقطاع السياحة تعتمد اعتمادا كبيرا ورئيسيا على الأسواق العقارية وصحتها فهو أشبه بالأسواق المالية الدولية، عرضة لكل التغيرات سلبا وإيجابا ولذا يتقلب بشكل جنوني أحيانا وتاريخه حافل بالطفرات والانهيارات. ولذا عندما بدأت أزمة الائتمان وبدأ الركود انهار كثير من أسواق العقارات الحديثة والصاعدة خصوصا في أوروبا وبالتالي الاقتصاد الوطني العام. وتعيش كثير من هذه الدول حاليا صدمة الركود واحتمال عودة الأمور إلى سابق عهدها من نمو بطيء ومضطرد دون طفرات. وكما سبق وذكرنا، فإن الأرقام تشير إلى أن الأسعار وتقلباتها تشهد استقرارا كبيرا في معظم المدن والأسواق العقارية الهامة في بولندا، مما يبشر بمستقبل زاهر أكثر استقرارا من غيره على المدى البعيد.

وتقول أرقام «موني بي إل» إن معدل سعر المتر المربع في بولندا بشكل عام نهاية العام الماضي (ديسمبر/ كانون الأول 2009) لم يتراجع عما كان عليه عام 2008 بأكثر من 1 في المائة سلبا، أي أنه تراجع من 5.843 زولتي (2000 دولار) إلى 5803 (1990). وفي العاصمة وارسو لم تتراجع بأكثر من 8769 زولتي (3000 دولار) إلى 8724 زولتي (2992 دولار). أما في كراكوف التاريخية والمعروفة كثاني مدينة، فقد ارتفع فيها معدل سعر المتر المربع من عام 2008 إلى 2009 بنسبة 1 في المائة أي من 7673 زولتي (2631 دولارا) إلى 7714 زولتي (2646 دولارا). أما على الصعيد الربعي، فتشير الأرقام إلى أن معدل سعر المتر المربع في بولندا في قطاع الشقق السكنية لم يتراجع إلا بنسبة لا تذكر وربما بقي على حاله من الربع الأول لعام 2008 إلى الربع الثالث من العام الماضي، ولم يسجل أي نسبة تراجع إلا في الربع الثاني من العام الماضي وبنسبة 1 في المائة، وقد وصل معدل سعر المتر المربع نهاية العام الماضي إلى 5767 زولتي (1978 دولارا) أما على صعيد عقارات المنازل فقد تراجع معدل سعر المتر المربع فيها من الربع الأخير لعام 2008 حتى الربع الثالث من العام الماضي بنسبة 2 في المائة، لكن قبل ذلك كان قد حافظ على استقراره وبقيت التقلبات بين واحد وصفر في المائة سلبا وإيجابا. ويصل معدل سعر المتر المربع في المنازل نهاية العام الماضي إلى 4476 زولتي (1535 دولارا). أما في العاصمة وارسو فقد تراجعت الأسعار في قطاع الشقق، من الربع الأخير عام 2008 إلى الربع الأول من العام الماضي بنسبة 2 في المائة ثم عادت إلى استقرارها في الربع الثاني واستعادت نموها ولو بشكل بسيط (1%) في الثالث، وواصلت هذا النمو إلى الربع الأخير من العام الماضي حيث وصل معدل سعر المتر المربع إلى 8731 زولتي (2994 دولارا). أما على صعيد المنازل فقد كانت أكثر استقرارا ولم تتراجع في الربع الأخير من عام 2008 حتى الربع الثالث من العام الماضي، وعادت وسجلت تراجعا في الربعين الثالث والرابع من العام الماضي بنسبة 1 في المائة. أما في كراكوف التي لا تقل أهمية من الناحية العقارية عن وارسو أحيانا، فقد شهدت وضعا مماثلا وأسعارا متقاربة أيضا، إذ على صعيد الشقق، لم يتراجع معدل سعر المتر المربع الواحد من الربع الرابع لعام 2008 إلى الربع الأول من العام الماضي، بل سجل نموا بعد ذلك بنسبة 1 في المائة قبل أن يعود إلى التراجع في الربع الأخير بنسبة مماثلة. ووصل معدل سعر المتر المربع نهاية العام الماضي إلى 7688 زولتي (2637 دولارا).

وعلى صعيد قطاع المنازل، فقد شهدت تقلبات أكبر ولو أنها بقيت في إطار السيطرة، إذ سجل مؤشر الأسعار أن معدل سعر المتر المربع تراجع بنسبة 3 في المائة من الربع الأخير لعام 2008 إلى الربع الأول من العام الماضي. واستقر بعد ذلك ليعود ويتراجع بنسبة 2 في المائة في الربع الثالث من العام الماضي ويتحسن قليلا في الربع الأخير ليصل المعدل إلى 5640 زولتي (1934 دولارا). بأية حال، فإن مؤسسة «ريس» في تقريرها الأخير الخاص بالعقارات السكنية في بولندا ومدنها الكبرى وتوجهات الأسواق، أكدت أن القطاعات العقارية الرئيسية تخرج رويدا رويدا من الركود وأزمة الائتمان، مما أدى إلى رفع حجم المبيعات والصفقات بالتالي ورفع عدد المشاريع والوحدات السكنية الجديدة التي تدخل الأسواق. وقد شهدت العاصمة وارسو التي تعتبر أكبر الأسواق العقارية، أكثر من 2500 وحدة سكنية جديدة في الربع الثالث و3000 وحدة في الربع الأخير من العام الماضي.

ويشير مكتب الإحصاء الوطني (GUS) في بولندا، أن بولندا بنت أكثر من 55 ألف وحدة سكنية جديدة العام الماضي أي أقل بنسبة 50 في المائة تقريبا عن العام السابق (2008) نتيجة الركود والتراجع الاقتصاديين خلال الفترة السابقة. وكان عدد الوحدات السكنية التي بنيت للاستثمار والبيع والإيجار العام الماضي وصل إلى 95 ألف وحدة.

كما تم استيعاب العقارات الفائضة على الأسواق العام الماضي مما ساعد على بقاء الأسعار في خانتها المستقرة. ويتوقع أن ترفع الحكومة والبنوك من حجم القروض العقارية العام الحالي والعام المقبل رغم التشديد في منح القروض. وهذا أيضا من القطاعات الاقتصادية والمالية والعقارية التي تشهد نموا مضطردا ولم تتعرض لهزة حقيقية خلال الركود.

وبعد الانكماش الذي وصل إلى 1.3 في الاقتصاد عام 2008، فإن التوقعات أن يشهد الاقتصاد العام نموا ملحوظا العام الحالي بنسبة 0.8 في المائة وهي نسبة ضئيلة لكنها مهمة جدا لمواصلة التعافي العام. وكانت نسبة هذا النمو الاقتصادي قد وصلت إلى 5.4 في المائة بين 1993 و2001، ورغم الانتكاسة البسيطة بعد ذلك فقد استعاد النمو نفسه بين عامي 2003 و2006 وبنسبة محترمة أيضا تحسد عليها وصلت إلى 4.8 في المائة.

ويجدر بالذكر هنا أن التغيير الاقتصادي والتحول الجذري من الاقتصاد الاشتراكي والشيوعي المركزي إلى اقتصاد السوق الحرة في التسعينات، أدى إلى تراجع كبير في حجم وعدد العقارات الجديدة والمشاريع العامة، وقد تراجع معدل العقارات الجديدة سنويا من 130 ألف عقار بين عامي 1990 و1992 إلى 75 ألف عقار بين عامي 1994 و1999. ومع ذلك تقول بعض المؤسسات الرسمية والخاصة بأن بولندا بحاجة إلى مليون وحدة سكنية جديدة لتلبية الحاجة على الصعيد الوطني العام سنويا