تملك العقارات في دول اسيا والفرص الاستثمارية الحقيقية

subway

المشرف العام
27 يونيو 2012
467
0
0
باحث عن توجهات العقار العالمي لا يضطر للبحث كثيرا هذه الايام عن أفضل الاسواق، فما عليه الا ان يتابع ما تتخذه شركات الاستثمار اللندنية من قرارات حتى يتعرف على ملامح توجهات المستقبل.

من بين شركات التأمين العريقة في لندن تعتبر شركة برودنشيال اكثرها تقليدية في قراراتها. ولكن هذه الشركة طرحت في الاونة الاخيرة صندوقا حجمه 250 مليون جنيه استرليني (500 مليون دولار) للاستثمار في عقارات فيتنام. ولهذا القرار العديد من الدلالات، من بينها ان الشركة تريد ان تدخل احد الاسواق الاسيوية من مرحلة القاع، لانها تعتقد ان بقية اسواق اسيا تقترب من مرحلة النضج، حيث قد تتراجع العوائد فيها قريبا وتبقى المخاطر كما هي.

وتعرف شركة برودنشيال حجم المخاطر التي تقبل عليها في سوق مثل فيتنام، فالنظام فيها مازال شيوعيا، كما ان درجة الشفافية فيها هي الاسوأ على مقياس شركة لاسال، المتخصصة في العقار الدولي. ولكن فرص النمو فيها تطغى على كل هذه المخاطر، لان اسعار العقار فيها حاليا هي الارخص في اسيا.

وللتأكيد على خبرة الشركة يكفي ان نعرف انها انسحبت من السوق البريطاني قبل فترة، لانها تعتقد ان السوق نضج سعريا ويوشك على التراجع، قبل ان تتوجه الى اسيا. وهي تقدم العديد من الصناديق الاسيوية، من بينها صندوق تضاعف ثلاث مرات في قيمته منذ تدشينه قبل عام واحد. وتملك الشركة اصولا عقارية قيمتها مليارا دولار، في مدن مثل شنغهاي وسنغافورة وطوكيو.

وتتوجه شركات استثمارية اخرى، مثل مورغان ستانلي الى الاستثمار الاسيوي، بصناديق تضع 60 في المائة من رأسمالها في السوق الاسيوي، بينما تنسحب تدريجيا من السوق الاميركي والاسواق الاوروبية. وفي عام 2006 توجهت استثمارات حجمها 94 مليار دولار نحو قطاع العقار التجاري الاسيوي، بزيادة قدرها 42 في المائة عن العام الاسبق. وفي هذا القطاع ما زالت اليابان تتفوق بحصة 55 في المائة من حجم السوق، وان كانت الصين تلحق بها بسرعة. ولكن بسبب ارتفاع الاسعار السريع فان العوائد من الايجارات كنسبة على رأس المال تتآكل بسرعة، الامر الذي يدفع شركات الاستثمار للبحث عن اسواق جديدة بلا هوادة.

ومع ذلك تبقى كل الاسواق الاسيوية افضل من غيرها، فهي من المناطق القليلة التي ترتفع فيها ايجارات المكاتب بنسب مختلفة تصل الى 50 في المائة في طوكيو، و30 في المائة في هونغ كونغ خلال العام الاخير.

وفي فيتنام تتضاعف ايجارات المكاتب فيها مرة كل 18 شهرا، وفقا لاحد التقارير الاستثمارية. وبلغ من النشاط العقاري الاسيوي ان العديد من المستثمرين بدأوا في الانتشار الى مدن اخرى اقل جاذبية، وتغلغلوا في مجالات مختلفة غير القطاعات الرئيسية للاسكان والعقار التجاري، مثل بيوت المسنين والفنادق. وهذه التفرعات تزيد من المخاطر، ولكنها ايضا توفر عوائد افضل. ولكن جاذبية القطاع ادخلت اليه الكثير من المغامرين الذين يدخلون لعبة تطوير العقار بلا اي خبرات سابقة. وفي الهند هناك الكثير من المنازعات القضائية على ملكية الارض، لان نظام التسجيل فيها ضعيف ويفتقر الى الشفافية. من المصاعب الاخرى في الهند مثلا ان الحكومة فتحت مجال الاستثمار العقاري للاجانب، ولكنها تشترط ان يقوم الاجانب بتطوير العقار بأنفسهم ولا يشترون العقارات القائمة بالفعل.

وفي سنغافورة تم رفع ضريبة تطوير الاراضي من 50 الى 70 في المائة، بينما تشترط الحكومة الصينية ان يعمل المستثمرون الاجانب مع كفيل محلي يمتلك نصف رأس المال على الاقل. ولكن العديد من الحكومات الاسيوية بذلت جهودا ملحوظة خلال العقد الاخير من اجل اصلاح نظم الاستثمار الاجنبي والحماية القانونية والاصلاح الضريبي، الامر الذي شجع على تخصيص قطاعات اقتصادية متعددة، من بينها القطاع العقاري. ولكن الشركات الاجنبية لا تغفل مخاطر هذه الاسواق ولا المناخ المتغير بسرعة فيها، وهي عوامل يجب على المستثمر العربي ايضا ان يأخذها في الاعتبار عندما يتوجه للاستثمار في اسيا. فالضرائب مثلا يمكن ان تتغير فورا لتعكس عوامل سياسية او اقتصادية داخلية، الامر الذي ينعكس فورا وسلبيا على العوائد.

وهناك ايضا أزمة الرهن العقاري الاميركية، التي اثرت على الاسواق الاسيوية اقل من غيرها في اوروبا. ويعتقد خبراء اسيويون ان التأثير الاكبر سوف يكون من الدورة الاقتصادية الطبيعية التي ترتفع وتنخفض بالاسواق تباعا. وتعتقد مصادر السوق ان هذه الدورة تكاد تصل الى ذروتها، وانها في الطريق الى التراجع، وان كان البعض يعتقد ان التراجع لن يأتي قريبا.

ولكن مهما كانت التحولات فإن المدن الاسيوية تنمو الان بوتيرة اسرع من غيرها، كما ان عوامل الثقة بها اوضح من عصر مضى. في هونغ كونغ مثلا توجد ناطحات سحاب اكثر بنسبة 50 في المائة عنها في مدينة الناطحات التقليدية نيويورك. ولا توجد في اميركا الان الا ناطحة سحاب واحدة ضمن اكبر عشر ناطحات سحاب في العام، هي برج « سيرز» في شيكاغو.

وترتفع في المدن الاسيوية معالم معمارية جديدة تعبر عن حرية الانطلاق في التعبير عن الافكار وايضا سرعة تنفيذها. وتماثل المنافسة الاسيوية حاليا ما كان بين نيويورك وشيكاغو في الماضي، ولكن على نطاق جغرافي هائل.

ولا تقتصر المنافسة على الحجم فقط بل تتعداها الى الانفراد بالاشكال غير العادية، مثل مبنى «سي سي تي في» في بكين، الذي يماثل برجين مائلين متصلين في القمة بزاوية هرمية جانبية. وتريد العاصمة الصينية ان تميز نفسها عبر نوعية التصميم المعماري وليس فقط الحجم او الارتفاع. وتقوم بتصميم المبنى شركة هولندية مقرها في روتردام لصالح التلفزيون الصيني. وفي بكين ايضا يعمل المصمم الاميركي ستيفن هول على بناء مدينة كاملة ذات ثمانية ابراج لاسكان 2500 نسمة، لكنها متصلة عبر مساحات للمعيشة وقضاء اوقات الفراغ.

ولعل من اشهر المعالم العمرانية الاسيوية برج بتروناس، الذي يميز العاصمة الماليزية كوالالمبور، وهو يمزج بين المعمار الاسلامي والتصميم الاسيوي، في مزيج فريد يضمن له التألق. وقد حمل المبنى لقب اطول بناء في العالم لفترة وجيزة قبل ان ينتزعها منه مبنى تايبي 101 في عاصمة تايوان، وهو اول مبنى في العالم يتخطى مسافة نصف كيلومتر ارتفاعا. ولكن حتى تايبي 101 فقد لقبه هو الاخر لبرج دبي الذي يكاد يلامس ارتفاع 800 متر، ولا يعرف احد على وجه الدقة ارتفاعه النهائي، لانه من الاسرار المعمارية، منعا للتقليد.

وبعيدا عن الارقام القياسية ترتفع العديد من المشرعات الهائلة بالجملة في المدن الاسيوية، خصوصا في شنغهاي، التي تشهد الان عملية استكمال مبنى المركز المالي العالمي وبرج جن ماو. ويتكون المركز المالي العالمي من ثلاثة ابراج، اعلاها في المنتصف بارتفاع 492 مترا مع فتحة علوية تميزه عن غيره من المباني الهائلة حوله. وسوف يتميز المبنى بأعلي منصة مشاهدة واعلى فندق في العالم عند اكتمال المشروع.

وتدرس العديد من المدن الاسيوية في الوقت الحاضر فكرة جديدة هي ناطحات السحاب البيئية، التي تقتصد في استهلاك الطاقة، وتكاد تكتفي ذاتيا في الموارد التي تحتاجها من حيث التكييف وتدوير النفايات. وتعتبر بعض المشروعات الاسيوية سباقة في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل ناطحة سحاب ماليزية في جزيرة بنانغ، اسمها المنارة تستخدم الرياح في توفير تكييف الهواء الداخلي.

كما تحاول ناطحة سحاب صينية اسمها بيرل ريفر تاور، في مدينة غوانزو ان تكون اول ناطحة من نوعها في العالم لا تعتمد على اي مصادر طاقة خارجية، بل انها توفر بعض الطاقة الزائدة وتضخها مرة اخرى في الشبكة الصينية. وتستخدم الناطحة مجموعة متنوعة من المصادر، من بينها طاقة توربينات الرياح والواح الخلايا الشمسية. ولكنها مع ذلك تستخدم كمقر لشركة تبغ! وتلحق بالركب كل من هونغ كونغ، التي كان احدث مشروع فيها هو برج المركز المالي العالمي، الذي يعتبر سابع اعلى مبنى في العالم، وطوكيو التي برعت في ناطحات الاستخدام المختلط للسكن والفنادق والتسوق والمتاحف والمراكز الفنية في مبنى واحد.

ولا تقل المدن الصينية في نشاطها المعماري المحموم عن بقية المدن الاسيوية التقليدية. ففيها يقع ثلاث على الاقل من اكبر ناطحات العالم، وهي ناطحات بتصميم محلي وبناء عمال صينيين. وتطمح كل مدينة على حدة ان تصنع لها افقا يخصها وحدها على نمط الميادين العامة واقواس النصر التي كانت تميز مدن الامس.

وتشير الاحصاءات الرسمية في الصين الى ان مائة مدينة جديدة سوف يتم تأسيسها خلال الـ15 عاما المقبلة، لكي تستوعب الهجرة الهائلة التي تستمر من الريف الى المدن سعيا وراء الاستفادة من الانتعاش الاقتصادي. وتعتبر الصين حاليا رابع اكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة واليابان والمانيا. ولكن قياسا بالقوة الشرائية الناتجة عن الناتج المحلي، يعتبر الاقتصاد الصيني هو الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة.

وينمو الاقتصاد الصيني حاليا بمعدلات تعتبر من الاعلى في العالم، على رغم توقعات البنك الدولي بتراجعها. وتنمو الصين حاليا بنسبة تصل الى 10.5 في المائة سنويا. وفي عام 2005 بلغ الناتج الصيني المحلي للفرد 1700 دولار، وهو ثلاثة اضعاف ما كان عليه منذ عشر سنوات فقط.

وفيما ينمو الاقتصاد الاسيوي، والصيني بوجه خاص، يزداد الطلب على العقار بأنواعه من مساكن ومكاتب ومصانع. وخلال عام 2005 تم التعامل في عقارات صينية قيمتها 2.6 مليار دولار. ويعتبر الشريط الساحلي الشرقي الذي يمتد جنوبا من شنغهاي السوق المفضل حتى الان للاستثمار الاجنبي في الصين. ومن المتوقع ان يرتفع الاهتمام العقاري في الصين، خصوصا بعد اقرار الحكومة الشيوعية فيها حق الملكية الفردية للعقار، وهي ملكية يحميها القانون صراحة بعد عقود من غموض القرارات الشيوعية.

وخلال السنوات الخمس الاخيرة زاد الطلب العقاري في الصين بنحو 3.5 في المائة سنويا، كما ارتفعت الايجارات بنسبة سبعة في المائة. وتتوقع شركة لاسال العقارية في لندن ان يزداد تنافس صناديق الاستثمار على الاستثمار العقاري في آسيا، ضمن سعيها الدائم لتحديد فرص الاستثمار مرتفعة العوائد.

ولكن السوق الصيني يحمل ايضا بعض الاخطار، حيث تعمل الحكومة الصينية بنشاط لمنع عمليات المضاربة على العقار في اسواقها. وتفرض الصين حاليا ضريبة قيمة مضافة على عمليات بيع العقار السريعة بعد الشراء، كما تراقب الصفقات الكبيرة حتى تمنع اي عمليات تلاعب في الاسواق. وتشرف ادارات من الحكومة المركزية على مجالس التسجيل في الاقاليم الصينية المختلفة، حتى تتأكد من اتباع القوانين والنظم الجديدة.

ولا تؤثر هذه الاجراءات على المستثمرين الذين ينظرون الى المدى البعيد في استثمارهم في السوق الصيني. وكانت آخر الصفقات الكبيرة شراء مجمع مكاتب كبير في شنغهاي بمبلغ 250 مليون دولار من شركة استثمار اوروبية، وهي تعبر عن حجم الصفقات الفردية التي تتوجه حاليا الى سوق الصين.

وتنافس اسواق كل من كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان جاذبية العقار الصيني بعوائد ايجارية اعلى، وان كانت على حساب نسب نمو أقل في رأس المال المستثمر. ويقابل هذا رغبة قوية من كبار المستثمرين في رفع حصص الاستثمار العقاري في الاسواق الاسيوية. وكشف احصاء ان ثلاثة ارباع مستثمري العقار في اوروبا يريدون زيادة حصة محافظهم الاستثمارية في آسيا، مقابل 18 في المائة يرغبون في خفض هذه المحفظة وخمسة في المائة يرغبون في المحافظة على حجمها الحالي. وهذه دلالة على ان الانتعاش الاسيوي سوف يستمر لبعض الوقت.